أحمد بهجة
لا شكّ أنّ لبنان بحاجة إلى الكثير من الأمور حتى يستعيد الحدّ الأدنى من العافية، وحتى يصبح بإمكانه الوقوف على أرضية صلبة والتطلّع بشيء من الثقة إلى مستقبل واعد وزاهر لأجياله الصاعدة.
ولا شكّ أيضاً أنّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يمتلك الإرادة اللازمة والرؤية الصائبة لوضع القطار على السكة، وإنْ كان مساره في البداية بطيئاً إلا أنّ المهم أنّ القطار يسير على الطريق الصحيح ويتقدّم إلى الأمام محطة بعد أخرى وصولاً إلى الأهداف المنشودة.
طبعاً الأولوية في هذه المرحلة هي لمعالجة الوضع الأمني وتحديداً في المناطق الجنوبية التي لا تزال عرضة للاعتداءات "الإسرائيلية"، لا سيما أنّ العدو لم يُنفذ حتى الآن ما هو مطلوب منه في إطار القرار 1701، ولا اللجنة المشرفة على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار تقوم بمهمتها، ولا الدول الضامنة للاتفاق تبدي الاهتمام المطلوب لتنفيذه كما يجب...! لكن كلّ هذا لا يعني تجميد الخطوات الداخلية الأخرى بانتظار توطيد الحلّ المطلوب جنوباً. وهنا يذكر الجميع كيف كان الوضع عند التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989 والذي أوقف الحرب الأهلية وسمح بانطلاق مسيرة السلم الداخلي وإعادة تكوين السلطات من جديد، وإطلاق ما سُمّي آنذاك عملية إعادة البناء والإعمار، لا سيما مع وصول الرئيس الراحل رفيق الحريري إلى السلطة في أواخر العام 1992.
في ذلك الوقت كان جزء كبير من الجنوب لا يزال محتلاً، وكانت المقاومة تقوم بعملها على أكمل وجه حتى أنجزت التحرير الكبير في مثل هذه الأيام من العام 2000، على أنّ الوضع الجنوبي لم يمنع تحقيق الكثير من الإنجازات الاقتصادية في الداخل. ورغم الاختلاف الكبير على توصيف تلك المرحلة إلا أنّ أحداً لا يستطيع أن يُنكر أنّ البلد شهد مرحلة من الاستقرار وشيئاً من الازدهار في بعض القطاعات.
اليوم لا نقول إنّ البلد بإمكانه أن ينطلق كما يجب في المجال الاقتصادي، خاصة أنّ الاعتداءات "الإسرائيلية" المتواصلة تتجاوز في الكثير من الأحيان منطقة جنوبي الليطاني، ما يعني تسميم الوضع في لبنان كله. ولكن رغم ذلك يبقى هناك ما يمكن عمله سواء في الحكومة أو في مجلس النواب، وهذا ما يحصل نوعاً ما ولكن المطلوب هو أن يتمّ تسريع الخطوات بعض الشيء حتى يبدأ المواطنون بتلمّس النتائج الأولية لهذا المسار الإصلاحي، وهم يعرفون طبعاً أنّ الأمور لا تتمّ بكبسة زر، خاصة أنّ المطلوب كبير وكبير جداً.
لذلك لا بدّ من وضع خطط طويلة الأمد لتحقيق المعالجات الجذرية المطلوبة، لكن إذا كانت هذه الخطط مدروسة بشكل جيد فإنّ البدء بتطبيقها في أقرب وقت يمكن أن يعطي المؤشر الإيجابي اللازم لكي تنطلق دورة العمل والإنتاج في قطاعات عدة...
وإذا كان المُتوقّع للسياحة أن تنتعش هذا الصيف بكلّ مجالاتها مع عودة السياح الخليجيّين واستمرار تدفق المغتربين اللبنانيين كالعادة، فإنّ الاهتمام بتنمية السياحة أمر مطلوب طبعاً، لكن ما نأمَله أيضاً هو أن يتركز الاهتمام على قطاعات الإنتاج الأساسية، الصناعة والزراعة والخدمات والتكنولوجيا التي لا بدّ أن يدخل من ضمنها الذكاء الاصطناعي لأنّ التركيز على هذا الأمر مهمّ جداً لمواكبة التطورات المتسارعة على هذا الصعيد، خاصة أنّ الشباب اللبناني مشهود له بالعلم والمعرفة على أعلى المستويات ولديه كلّ المؤهلات للتفوّق في أيّ مجال جديد، ومن شأن ذلك أن يخلق آلاف فرص العمل التي تسمح باستعادة الكثير من الشابات والشباب الذين هاجروا بحثاً عن عمل سواء في دول الخليج أو حتى في دول أوروبا وأميركا...
وهذا موضوع يجب التوسّع بالحديث عنه في مقالات لاحقة...